مايو 3, 2025
واجه قطاع الإعلام في لبنان، على مدى السنوات الماضية، تحديات جسيمة، كان أبرزها القدرة على الحفاظ على رسالة تخدم المصلحة العامة، بعيدًا عن التلاعب السياسي أو الترويج لأجندات محددة. وقد كان هذا الأمر صعبًا في ظل مشهد إعلامي تقليدي بمعظمه يتبع بشكل مباشر للأحزاب السياسية.
لكن، ومع التطورات السياسية التي شهدها لبنان بعد عام 2019، برزت منصات الإعلام البديل بكثرة كأدوات لطرح محتوى مختلف، وتعزيز حرية الصحافة، وتحقيق التوازن في المشهد الإعلامي. ويتميّز هذا النوع من الإعلام غير التقليدي بأسلوب سردي مختلف، يعرض البيانات والحقائق بطريقة تتفاعل مع المجتمع، لا سيّما من خلال استهداف الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تُعدّ الأكثر تأثيرًا في عصرنا الحالي.
اليوم، تواجه مؤسسات الإعلام البديل في لبنان مشاكل كثيرة تعيق قدرتها على أداء دورها على المستويين الإعلامي والوطني. تشمل هذه التحديات صعوبات قانونية، خصوصًا ما يتعلق بالترخيص، بالإضافة إلى غياب الاستدامة المالية لتغطية النفقات وأجور الصحفيين. كما أن الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات أثرت بشكل كبير على جميع القطاعات، بما فيها الإعلام.
وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة “مهارات” في عام 2020 بعنوان “منصات الإعلام البديل في لبنان”، فإن هذا النوع من الإعلام يواجه تحديات تتعلق بالرقابة، القمع، وتقييد حرية التعبير. ومن التحديات الأخرى اعتماد بعض هذه المنصات بشكل كبير على متطوعين يعملون بدافع القناعة أو الالتزام بقضية دون أي مصادر تمويل. وغالبًا ما تفتقر هذه المنصات إلى القدرة المالية للحصول على الدعم القانوني أو التقني أو لتأطير عملها ضمن مؤسسات مستدامة.
يواجه الصحفيون العاملون في الإعلام البديل تحديات عديدة لا يواجهها غيرهم، أبرزها غياب الاعتراف القانوني وما يترتب عليه من ظلم فيما يتعلق بعقود العمل، الرواتب، والتأمين الصحي.
الصحفي جاد مولكي يشير إلى أن العاملين في هذا القطاع يعانون من غياب الاعتراف القانوني وعدم كفاية الحماية. وعلى الرغم من وجود مشاريع قوانين لتنظيم أوضاع هؤلاء العاملين، إلا أنهم ما زالوا يُعتبرون “كبش محرقة” أمام العديد من الجهات الرسمية.
ويقول مولكي: “بصفتنا عاملين في الإعلام المرئي والمسموع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نحن غير معترف بنا ضمن قانون الإعلام الحالي. حتى النقابة التي يُفترض أن تدافع عن حقوقنا تفرض شروطًا صارمة للانضمام، مثل سنوات طويلة من الخبرة، ما يضعنا في مأزق قانوني دائم، لعدم وجود إطار يحمي أو يضمن حقوقنا كصحفيين”. ويضيف أن تجربته في الإعلام كانت بعيدة عن أحلامه الصحفية، حيث كان يتمنى بيئة إعلامية تحتضن المواهب الشابة، لكن الواقع كان مخيبًا.
من جهتها، الصحفية ومؤسسة منصة “بشوفك” في منطقة الشوف، فرح الحسيني، أوضحت أن طبيعة العقود في المنصة تعتمد على الاتفاقات الشفهية أو العقود قصيرة الأجل بسبب ضيق الموارد. وتشير إلى أن غياب العقود طويلة الأجل يؤثر سلبًا على الاستقرار النفسي والمالي للموظفين، مما يزيد من الضغوط المهنية والشخصية عليهم. وتقول: “نعتمد على تمويل محدود من منح ومشاريع لتغطية نفقاتنا الأساسية، وهذا يجعل من الصعب توفير عقود عمل ثابتة وطويلة الأمد”. وتضيف أن هذا الواقع يخلق بيئة عمل غير مستقرة تؤثر على جودة الإنتاج الإعلامي، لأن الصحفيين يُجبرون على البحث عن فرص عمل إضافية لتأمين معيشتهم.
وتختم الحسيني: “نحن نعمل جاهدين لتحسين أوضاع العاملين، لكن ذلك يتطلب دعمًا أكبر من المموّلين وسياسات حكومية تعترف بأهمية الإعلام البديل وتوفّر بيئة قانونية تسهّل العمل بحرية وفعالية”.
يُعد قانون المطبوعات اللبناني الصادر في الستينيات الإطار القانوني الناظم للإعلام حتى اليوم. وعلى الرغم من التعديلات التي أُجريت عليه، وصدور قانون الإعلام المرئي والمسموع عام 1994، لا يزال الصحفيون يواجهون تحديات قانونية تتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير وحقوق الإنسان التي يُعد لبنان من أوائل الموقعين عليها.
القانون الحالي لا يعترف بالإعلام الإلكتروني، بما في ذلك الإعلام البديل، خاصة من حيث إصدار التراخيص أو الإشعارات الرسمية التي تتيح له العمل بشكل قانوني. وهذا ما يُعقّد البيئة القانونية ويحرِم الصحفيين من حقوقهم، ويقيّد قدرتهم على الوصول إلى المعلومات، في انتهاك واضح لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات الصادر عام 2017.
الصحفي كارل حداد (الشريك المؤسس ورئيس تحرير منصة “نقد”) يوضح أنهم لجأوا إلى ترخيص شركة تسويق وإعلانات خاصة لتخصيص جزء من الأرباح لتمويل منصة “نقد” بعيدًا عن التمويل السياسي أو الحزبي. ويشير إلى صعوبة تسجيل المنصة ضمن إطار قانوني واضح، مضيفًا أن الفريق فكر في خيارات أخرى مثل إشعار رسمي من المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع أو التسجيل كجمعية لدى وزارة الداخلية، لكنهم قرروا في النهاية تسجيلها كشركة مدنية غير ربحية تُعنى بالشأن الإعلامي، خارج رقابة المجلس الوطني للإعلام أو وزارة الداخلية.
أما الحسيني فتشير إلى أن “بشوفك” مسجّلة كموقع إلكتروني لدى المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وما زال الفريق يعمل على تسجيلها كجمعية أو شركة تجارية.
وتقول: “للأسف، القانون الإعلامي المقترح والمعمول به حاليًا لا يعترف بالإعلام البديل، مما يعيق حركتنا. وفي ظل غياب إطار قانوني لهذا النوع من المنصات، يصعب بناء ثقة مع المواطنين. كما أن عدم الاعتراف القانوني يُصعّب التمييز بين المنصات المهنية وتلك التي تسيء إلى سمعة الإعلام البديل”.
تشكل الاستقرار المالي الركيزة الأساسية لأي وسيلة إعلام، لا سيما الإعلام البديل، كونه الضمانة الأولى للاستقلالية والقدرة على رفض الضغوط الخارجية.
يشرح حسن شعبان، المتخصص في إدارة المؤسسات الإعلامية، أن الأزمة المالية في لبنان منذ عام 2019 تسببت بتضخّم اقتصادي وانهيار العملة المحلية، ما أثّر سلبًا على تمويل منصات الإعلام البديل. ومعظم هذه المنصات أصبحت تعتمد على التمويل الخارجي، مما خلق منافسة شرسة للحصول عليه.
ويوضح شعبان التحديات على النحو التالي:
ضعف البنية التحتية: تدهور البنية التكنولوجية جعل تكلفة الاتصالات والإنترنت مرتفعة، ما يصعّب تشغيل المنصات.
قيود مالية وقانونية: تواجه المنصات تعقيدات مصرفية تحد من التحويلات والقدرة على إدارة الأموال.
تأثير التحديات المالية على الاستقلالية: الاعتماد على التمويل الخارجي قد يؤدي إلى تدخلات في السياسات التحريرية، مما يهدد استقلالية المنصات. كما أن الاستدامة طويلة الأجل تبقى صعبة دون تنويع مصادر التمويل.
في هذا السياق، يقدم الصحفي والمراسل الميداني جاد مولكي نموذجًا عن هذه التحديات من خلال تجربته الشخصية مع إذاعة “نبأ” عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول: “عملت منذ 2022 كمراسل ميداني في نبأ، واكتسبت خبرة مهنية واتصالات اجتماعية. لكن الوضع المالي المتدهور أجبرني على الاستقالة”.
ويضيف: “استقالتي جاءت بعد شهر ونصف من تقليص المؤسسة لميزانيتها بسبب ضعف التمويل. لم تتمكن من دفع مستحقاتنا أو توفير المعدات اللازمة للإنتاج، وكانت الإجابة دائمًا: ‘لا ميزانية'”.
ورداً على سؤال حول قدرة “بشوفك” على مواجهة التحديات المالية، تقول فرح الحسيني: “نحن نعتمد على المنح والمشاريع، كما نوفّر خدمات إعلامية لشركات تجارية أو نغطي فعاليات لمؤسسات غير ربحية تعمل في المنطقة، وغالبًا ما تكون هذه التغطيات مدفوعة، مما يساعدنا في تأمين استمرارية المنصة”.
وتضيف: “برأيي، الإعلام البديل أو المحلي لديه فرصة لتحقيق أرباح إذا تم تشغيله بشكل صحيح، لأن أي مشروع تجاري يُفتح في المنطقة يهم السكان المحليين. وبالتالي، يلعب الإعلام المحلي دورًا في تحريك العجلة الاقتصادية وتنشيط الحياة الاقتصادية في المنطقة”.